اعتقادات خاطئة
لدينا بعض الاعتقادات الخاطئة.. أهمها أننا نتصور أن الجنس رذيلة، أو غريزة يجب تجنبها والابتعاد عنها قدر المستطاع أو تقنينها بحيث تصل إلى أبعد نقطة في التكوين الإنساني، وأن التحدث في شؤون الجنس يعد نوعًا من الإباحية و"قلة الأدب"، فنجد الآباء والأمهات يشعرون بالحرج، أو ما يشبه "الورطة" حين يكتشفون فجأة أن عليهم الإجابة على أسئلة أطفالهم المحرجة: كيف يولد الأطفال؟ ماذا يفعل المتزوجون؟ يتعمد الآباء الكذب على أطفالهم، أو التهرب من الإجابة، أو توبيخ أطفالهم وتعنيفهم على جرأتهم في طرح مثل هذه الأسئلة، أو في أحسن الأحوال الإجابة باقتضاب شديد وعدم ثقة. وتتفاقم المشكلة حين يزداد فضول الأطفال ورغبتهم في الاكتشاف والمعرفة، فلا يقفون عند الإجابات السطحية التي يقدمها لهم الآباء، ولا يقتنعون بعدم أهمية الحديث في أمور حيوية بالنسبة لهم، فالأمر بالنسبة إليهم دافع فطري لاكتشاف الحياة واستجابة ليقظة عقولهم التي لا تعرف المحدود.
لابد أن تتم التربية الجنسية أو التثقيف الجنسي بشكل مستمر ومتواصل من خلال وسائط مختلفة (قصة، كتاب علمي، حوار حميم داخل الأسرة، تعليق على مشهد تلفزيوني أو خبر ما) فلا نعطي المعلومة دفعة واحدة كأننا نتخلص من عبء مزعج دون مراعاة رغبة الطفل في المعرفة، أو المرحلة العمرية، أو الظرف المناسب. إضافة إلى أهمية أن يكون الشخص القائم بالتربية الجنسية حياديًا في نبرة الصوت وحركة الجسد وعدم الاشمئزاز من الموضوع المطروح للنقاش. لذلك يُُعد التثقيف الجنسي مهمة مكتملة من المفترض أن يشترك فيها المنزل والمدرسة ووسائل الإعلام، حتى لا يضطر الطفل أو الطفلة إلى أخذ المعلومة من مصدر خاطئ أو الحصول عليها بشكل مشوه يؤثر في نموه النفسي والجنسي فيما بعد.
تشوه جنسي
ما أكثر المشاكل الحياتية والزوجية التي تنتج عن افتقاد الثقافة الجنسية. وقد يتمثل هذا التشوه الجنسي لدى البعض في أكثر من جانب:
•الخوف المرضي من الجنس واحتقاره Sex-phobia فنجد الشخص يمارس العلاقة الجنسية بدرجة مرتفعة من التوتر، وعدم الكفاءة، والتركيز على الجانب الكمي لا الكيفي فيصبح كآلة لتفريغ الشهوة لا أكثر، أو ربما تتعطل لديه القدرة على الممارسة أصلاً ويبرر ذلك بعدم أهمية الجانب الجنسي في حياة الإنسان.
•الهوس الجنسي Sex-mania بمعنى إسقاط المعنى الجنسي على كل شيء، كأن يرى الشخص كل شيء في الحياة له علاقة مباشرة وبشكل مبالغ فيه بالجنس ورموزه، يؤول أي علاقة بين رجل وامرأة على المعنى الجنسي، ويفسر أي نمط من الكلام بالمعنى الجنسي، وعدم القدرة على إقامة علاقة مع امرأة خالية من الجانب الجنسي. وتتبلور الصورة الفاضحة للهوس الجنسي فيما نطلق عليه سيكولوجيًا مصطلح (كوبروفيليا) أي لذة البذاءة ففي جانبها الجنسي، نرى الشخص دائم التكرار للألفاظ الجنسية في الحديث العادي، وسب الأشخاص والأشياء، بشكل قهري كنوع من التنفيس عن كبت جنسي.
•الحرمان من العاطفة الجنسية، بأن يمارس الفرد العلاقة الجنسية مع شريكه ممارسة صماء خالية من المشاعر والحب، فهو يؤدي الطقس الجنسي بشكل كمي وظاهري فقط.
هذه وغيرها تشكلات غير سوية لافتقاد الثقافة الجنسية والتربية الخاطئة في هذا الجانب الحيوي والمهم في حياة الإنسان، ورغم ذلك ما زلنا نكابر وننادي بعزل الجنس في قمقم بدلاً من تقويمه والتفاعل معه بإيجابية وحب، والاستمتاع به كقيمة إنسانية عليا منحنا الله إياها.
كاتبة ومعالجة نفسية
radwa72@gmail.com
عن موقع إيلاف